رِدَاءِ النُّورِ

هَذَا صَبَاحُ الحُرُوفِ إذْ تَنْبُتُ مِنْ الفَجْرِ زَهْرَتُهَا
تَتَنَفَّسُ النُّورَ وَتُسْكِرُهُ بِعِطْرِ البَدَايَاتِ
هُنَا، يَسْتَيْقِظُ الحِسُّ عَلَى نَبْضٍ سَمَاوِيٍّ
تَتَفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الوَجْدِ، وَتَتَرَاقَصُ الأَفْكَارُ نُورًا

يَا فَجْرَ الأَزْمَانِ، يَا سِرَّ البِدَايَةِ وَالأُنْسِ
كَمْ تَسْكُنُ فِي العَيْنِ أَلْوَاحُكَ البَهِيَّةُ
هُنَا تَتَرَسَّمُ خُطَى الشُّعَرَاءِ نَحْوَ الجَمَالِ
يَغْسِلُونَ أَحْرُفَهُمْ بِضِيَاءِ الصَّبَاحِ

كُلُّ بَيْتٍ سَيَجْرِي بَيْنَ أَضْلُعِ النُّورِ
يُرَدِّدُ تَسَابِيحَ الخَلْقِ وَيُهْدِي نَفَسَ الحَيَاةِ
وَمِنْ سَمَاءِ المَعْنَى تَهْبِطُ القَوَافِي
مُزَيَّنَةً بِرَحْمَةِ الوَحْيِ وَسُكُونِ الإِيمَانِ

فَاقْرَأُوا الحُرُوفَ كَمَا تُقْرَأُ الأَدْعِيَةُ
بِقُلُوبٍ نَقِيَّةٍ، وَأَنْفَاسٍ مُتَرَعَةٍ بِالنُّورِ
ثُمَّ دَعُوا الكَلِمَاتِ تَأْخُذُكُمْ رُوَيْدًا
إِلَى حَيْثُ يُسَبِّحُ الصَّبَاحُ وَيُجَدِّدُ الوُجُودَا

هَذِي الحُرُوفُ سَنَا رُوحٍ وَمِيلَادَا
تَسْقِي القُلُوبَ نَقَاءً ثُمَّ إِرْشَادَا
تَغْفُو عَلَى شَفَةِ الإِيمَانِ مُرْتَجِفَةً
وَتَسْتَفِيقُ لِتَهْدِي النُّورَ أَجْيَادَا

تَحْكِي مَجَارِي ضِيَاءِ فِي أُمَمٍ
تَرْتَادُ مِنْ سِرِّهَا سِرّاً وَإِرْدَادَا
وَالعُمْرُ صَحْفَةُ أَنْوَارٍ مُقَدَّسَةٍ
تَرْسُمُ الحُسْنَ إِيمَاناً وَتَوْقِيدَا

هُنَا يُنَاجِي الحَنِينُ اللهَ مُرْتَقِباً
نَفْحَ السَّمَاءِ وَيَسْتَجْلِي التَّوَاعِيدَا
وَيَرْتَقِي اللَّفْظُ فِي الأَرْوَاحِ مُعْتَصِرًا
رَحْقَ الجَمَالِ وَيُهْدِي الحُسْنَ تَوْكِيدَا

هَذِي القَصِيدَةُ مَأْوَى النُّورِ فِي كَلِمٍ
سَبَّحْنَ فِيهِ لِرَبٍّ كَانَ مَحْمُودَا
فَاصْغُوا لَهَا وَدَعُوا الآذَانَ رَاقِدَةً
لِيَسْتَفِيقَ فُؤَادٌ كَانَ مَسْجُودَا

يا لِلصَّبَاحِ الذي فَاضَتْ مَشَارِقُهُ
بِالحُسْنِ والبِرِّ تَسْبِيحاً وتَوْحِيدَا
هَبَّ النَّسِيمُ يُنَاجِي الزَّهْرَ مُبْتَهِجاً
وَأَوْرَقَ الحُلْمُ تَهْدِيلًا وَتَمْهِيدَا

وَالطَّيْرُ يُسْبِحُ فِي أَفْقٍ يُنَادِمُهُ
صَوْتُ الحَيَاةِ تَرَانِيمًا وَتَمْجِيدَا
يَا فَجْرَ رَبِّي عَلَى الآفَاقِ مُنْبَلِجاً
زِدْنِي بِنُورِكَ إِيمَاناً وَتَأْيِيدَا

سُبْحَانَ مَنْ فَلَقَ الإِصْبَاحَ فَانْدَفَقَتْ
قَوَافِلُ النُّورِ إِحْيَاءً وتَجْدِيدَا
يَا نَفْحَةَ الخَيْرِ، يَالسَّمَاءِ، سَكَبَتْ
فِي القَلْبِ أَنْوَارَهَا حُبّاً وتَمْهِيدَا

تَسْرِي المَلاَئِكُ فِي الآفَاقِ هَامِسَةً
بِذِكْرِ رَبٍّ سَمِيعٍ كَانَ مَجْدُودَا
وَالأَرْضُ تَحْتَ رِدَاءِ النُّورِ بَاسِمَةٌ
تُهْدِي لِرَبِّ الدُّنَا شُكْراً وتَحْمِيدَا

سَجَدَ الصَّبَاحُ عَلَى أَبْوَابِ مَوْعِدِهِ
يُهْدِي لِرَبِّ الدُّنَا حَمْدًا وَتَسْجِيدَا
وَالعُمْرُ يَسْرِي كَنَهْرٍ لا انْقِطَاعَ لَهُ
يُهْدِي لِكُلِّ وُرَيْدٍ نُورَهُ المِيدَا

تَغْنُو المَلاَئِكُ فِي الآفَاقِ سَاجِدَةً
وَتَرْسُمُ النُّورَ أَشْوَاقًا وَتَمْجِيدَا
وَيَبْسُمُ الكَوْنُ فِي أَثْوَابِ بَهْجَتِهِ
حَتَّى يُرَتِّلَ فِي الأَعْمَاقِ تَغْرِيدَا

هَذِي البَدَايَةُ لَا تَفْنَى وَلَا تَخْبُو
إِذْ كُلُّ فَجْرٍ يُنَادِينَا تَجْدِيدَا
يَا نُورَ رَبِّي عَلَى الأَكْوَانِ مُنْسَكِبًا
تُحْيِي المَوَاتَ وَتَبْعَثُ فِيهِ تَوْلِيدَا

قَدْ خَتَمَ الشِّعْرُ تَسْبِيحًا وَمَوْعِظَةً
فَانْشُرْ عَلَيْهِ سَنَا رِضْوَانِكَ المِيدَا
وَاتْرُكْ لَنَا فِي رُبَاهُ نَبْضَ قَافِيَةٍ
تَبْقَى عَلَى الدَّهْرِ تَسْبِيحًا وَتَمْجِيدَا